الإسراء والمعراج
ها هى البشارات تتوالى، والانتصارات تتعاقب فى دأب شديد! ولئن بدا الرسول -صلى الله عليه وسلم- مهزومًا فى عالم الشهادة، فلقد غدا منصورًا فى عالم الغيب، الجن تؤمن به .فى رحلة العودة من الطائف حين كفر الناس، وأبواب السماء تفتح له، حين أغلقت فى وجهه أبواب الأرض. أسرى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجسده من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبًا على البراق، بصحبة جبريل -عليه السلام-، وبالمسجد الأقصى حيث أبناء إبراهيم من ولده إسحاق -عليهم السلام-، صلى محمد بالأنبياء إمامًا وكأن ذلك إيذان بانتقال النبوة من ولد إسحاق إلى ولد إسماعيل -عليهما وعلى أبيهما السلام-، ثم عرج به -صلى الله عليه وسلم- إلى السماوات العلا حيث توالت .رؤيته للآيات العجيبة، وأمام ربه -عز وجل- كان -فرض الصلوات الخمس، فلما أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى قومه أخبرهم بما أراه الله -عز وجل-، فكذبوه وآذوه، فساق لهم من .دلائل صدقه ما يقنع عقولهم السقيمة، غير أنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور.
ايات رحله الاسراء والمعراج
ما رآه محمد -صلى الله عليه وسلم- من الآيات
وجب على الأنبياء حمل ما لم يحمل به غيرهم، ولذا فقد حق لهم أن يصلوا إلى يقين لا يلزم غيرهم، ولأن الخبر ليس كالمعاينة، فقد عاين الأنبياء من الآيات العجيبة ما جعل الدنيا بأسرها تدنو فى أعينهم عن جناح بعوضة، وما جعلهم يستعذبون فى سبيل حمل الرسالة ما يمر عليهم من المحن والعذاب. وفى رحلة المعراج رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- من الآيات العجيبة ما ثبت فؤاده، وملأ قلبه يقينًا، ففى السماء الدنيا رأى آدم -عليه السلام-، ورأى أرواح الشهداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره، وفى السماء الثانية رأى عيسى ويحيى -عليهما السلام-، وفى السماء الثالثة رأى يوسف -عليه السلام-، وفى السماء الرابعة رأى إدريس -عليه السلام-، وفى الخامسة رأى هارون -عليه السلام-، ورأى أخاه موسى-عليه السلام- فى السادسة، ولما انتهى إلى السماء السابعة لقى إبراهيم -عليه السلام-، وكان كلما رأى نبيًا سلم عليه ذلك النبى ورحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى الجبار- جل جلاله-، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، وفى هذه الرحلة تكررت له -صلى الله عليه وسلم- حادثة شق الصدر، وعرض عليه اللبن والخمر فاختار اللبن، ورأى أربعة أنهار فى الجنة، نهرين ظاهرين وهما: النيل والفرات، ونهرين باطنين، ورأى مالك خازن النار، كما رأى الجنة والنار، ورأى أكلة مال اليتامى لهم مشافر كمشافر الإبل، يقذفون بقطع من النار فى أفواههم فتخرج من أدبارهم، ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون بسببها على الحركة، ويطؤهم آل فرعون حين يعرضون على النار، ورأى الزناة يأكلون اللحم الغث المنتن، ويتركون السمين الطيب إلى جنبه، ورأى النساء اللاتى يدخلن على أزواجهن من ليس من أولادهم معلقات من أثدائهن، وقد قص محمد -صلى الله عليه وسلم- على أهل مكة حين أصبح خبر رحلته فصدقه من شاء الله له أن يصدق، وكذبه من صرف عن رؤية الحق رغم دلائل صدقه التى ساقها لهم النبى.
فرض الصلوات الخمس
خمسون صلاة فى كل يوم وليلة هى ما فرضها الله -سبحانه وتعالى- على سيد الأنبياء فى رحلة المعراج، لكنه -صلى الله عليه وسلم- حين مر بموسى -عليه السلام- أشار إليه أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف لأمته، ففعل ووضع عنه ربه عشرًا، ولم يزل محمد -صلى الله عليه وسلم- يتردد بين موسى -عليه السلام- الناصح بالتخفيف وربه تبارك وتعالى، حتى صارت الصلوات خمسًا، وعندها أجاب -صلى الله عليه وسلم- موسى الناصح بمزيد من التخفيف: قد استحييت من ربى، ولكنى أرضى وأسلم، فلما بعد نادى منادٍ: قد أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى.